اللغات المتاحة للكتاب Español فارسی Français Indonesia پښتو Русский 中文 English Türkçe

السِّــتــــِّيرُ جل جلاله

ماذا لو كتبت على جباهنا المعصية التي ارتكبناها؟! وماذا لو كان للذنوب روائح تخرج منا على قدر معاصينا؟! وماذا لو علم الناس بما ستره الله عزوجل علينا؟!

وَهُوَ الْحَيِيُّ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ

عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالعِصْيَانِ

لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْـرَهُ

فَهُوَ السِّتِّيرُ وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ

نعيش الآن مع اسم من أسماء الله الحسنى، وهو: اسم (الستير جل جلاله):

صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث يعلى رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبراز (الموضع المنكشف) بلا إزار، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّتْرَ؛ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ» [حديث صحيح. رواه أبو داود].

والسِّتِّير: هُوَ الذي يستر على عباده؛ فلا يفضحهم في المشاهد، ويحب من عباده الستر على أنفسهم واجتناب ما يشينهم.

وَرَبُّنَا كَمَا هُوَ سِتِّيـرٌ للعيوب والفضائح؛ فهو جل جلاله محب لتارك القبائح.

ما أحلم الله!

تتستر الصدور بخواطر وواردات ومقاصد ونيات؛ لا ينفذ إليها سمع، ولا يصل إليها بصر.. فيطلع عليها الحكيم العليم، ثم يسترها.

يحجب الليل بظلمته، ويغطي بأجنحته السماء، وهم يتهامسون خفيةً، ويتناجون سرًّا؛ فلا يسمعهم جار، ولا يدري بهم أهل الدار، ولا تنقل عنهم أخبار.. ولكن اللطيف الخبير علم وسمع ورأى، ثم ستر.

وَرَبُّنَا جل جلاله مَعَ كمال غناه عن الخلق كلهم وعن طاعتهم وعبادتهم؛ يكرم عبده، ويستره، ويستحي من هتكه وفضحه وتعجيل العقوبة به، ثم يوفقه للندم والتوبة، ويعفو عنه، ويغفر له (أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَأۡخُذُ ٱلصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ) [التوبة:104].

لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ السِّتِّيرِ! تنتهك حرماته، وتخالف أوامره، ويكثر الخطأ، وتتعاظم الذنوب؛ ومع ذلك كله يتوب ويغفر، ويعفو ويصفح، ويستر ويمحو.

يعلم ضعفنا، ويرى مكاننا، وهو مطلع على خائنة أعيننا وما تخفي صدورنا، ومع ستره علينا؛ تكرم علينا وقال تعالى: (وَهُوَ ٱلَّذِي يَقۡبَلُ ٱلتَّوۡبَةَ عَنۡ عِبَادِهِۦ وَيَعۡفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ وَيَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ ) [الشورى:25].

ولـما سئل ابن عمر رضي الله عنه عن النجوى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ؛ فَيَقُوْلُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، وَيَقُوْلُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ» [أخرجه البخاري].

أبغض الناس..

وتذكر أن من أبغض الناس إليه: من بات عاصيًا والله يستره، ثم يصبح يكشف ستر الله عليه.

جاء في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافـًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ: أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَيَقُوْلُ: يَا فُلاَنُ! عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» [أخرجه البخاري -وهذا لفظه-، ومسلم].

وعن عثمان بن أبي سودة قال: "لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله جل وعلا، قيل: وكيف يهتك ستر الله؟ قال: يعمل الرجل الذنب؛ فيستره الله عليه، فيذيعه في الناس".

هــلاَّ سـتـرت؟

والله يجب أن نعمل بمقتضى أسمائه، فهو كريم يحب الكرماء، ستير يحب الستر. وأمرنا بالستر على عباد الله تعالى، وتجنب هتك أستارهم وتتبع عوراتهم، جاء في «مسند الإمام أحمد»: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوْا المُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوْا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» [حديث صحيح].

وجاء في «الصحيحين»: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» ، ويدخل في ذلك: ما يأتي في أدوات التواصل من منكرات أو فاحشة أو خطإ؛ فمن نوى الستر ولم ينشرها ستره الله تعالى.

لطـائـف..

- والستر يكون حتى من أعين الجن؛ فعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الخَلاَءَ: أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ» [حديث صحيح. رواه الترمذي].

- الفرق بين (الستير) و(الستار): كلاهما يدل على المبالغة في الستر؛ فالله جل جلاله يستر على عباده كثيرًا، ولكن أسماء الله توقيفية؛ فلا مجال للعقل فيها، فلا نسمي الله تعالى إلا بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم.

واللفظ الوارد في السنة: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ» [حديث صحيح. رواه أبو داود].

يَا مَنْ لَهُ سَتْرٌ عَلَيَّ جَمِيلُ

هَلْ لِي إِلَيْكَ إِذَا اعْتَذَرْتُ قَبَوْلُ

أيَّدْتَّنِي وَرَحِمتَنِي وَسَتَرْتَنِي

كَرَمًا فَأَنْتَ لِـمَنْ رَجَاكَ كَفِيلُ

وَعصَيْتُ ثُمَّ رَأَيْتُ عَفْوَكَ وَاسِعًا

وَعَلَيَّ سَتْرُكَ دَائِمًا مَسْبُـوْلُ

فَلَكَ المَحَامِدُ وَالمَمَادِحُ فِي الثَّنَا

يَا مَنْ هُوَ المَقْصُوْدُ وَالمَسْؤُوْلُ

كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء: «اللَّهُمَّ! اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي» [حديث صحيح. رواه ابن ماجه]، ومعناه: استر عيوبي وتقصيري، وكل ما يسوؤني انكشافه.

اللهم! استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واغفر ذنبنا، واختم بالصالحات أعمالنا وأعمارنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين.