اللغات المتاحة للكتاب English پښتو فارسی Français Indonesia Русский 中文 Türkçe

84

الـوَارِثُ  -جل جلاله-

قيل لأحد الحكماء: ما لك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض؟ فقال: لأذكر أني مسافر.

حَمَلْتُ العَصَا لَا الضَّعْفُ أَوْجَبَ حَمْلَهَا

عَلَيَّ وَلَا أَنِّي تَحَنَّيْتُ مِنْ كِبَرْ

وَلَكِنَّنَي أَلْزَمْتُ نَفْسِـيَ حَمْلَهَا

لِأُعْلِمَهَا أَنَّ المُقِيمَ عَلَى سَفَرْ

أعلن للمسافر أنه: ليس لك إقامة في هذه الدنيا؛ فلا تركن إليها، والإعلان في قوله  -عز وجل- : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم:40].

فالله هو: (الوارث  -تبارك وتعالى- ).

نقف مع اسمه  -سبحانه وتعالى- : (الوراث  -تبارك وتعالى- ) نذكر أنفسنا؛ لعل الله يرحمنا:

قال  -سبحانه وتعالى- : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) [الحجر:23].

فربنا  -عز وجل-  البَاقِي بعد فناء كل الخلائق، الوَارِثُ لجميع الأشياء بعد زوال كل من في الأرض والسماوات الطوابق.

وربنا الوارث  -عز وجل-  بلا توريث أحد، الباقي ليس لملكه مد، قال  -سبحانه وتعالى- : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [مريم:40].

وربنا  -سبحانه وتعالى-  لم يزل مالكًا لأصول الأشياء كلها، يورثها من يشاء، ويستخلف فيها من أحب، قال  -سبحانه وتعالى- : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

وربنا  -سبحانه وتعالى-  الذي يورِّث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا ومساكنهم في الآخرة.

أما الدنيا؛ فالله  -سبحانه وتعالى-  قال: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا) [الأحزاب: 27]، وأما الآخرة؛ فالله  -سبحانه وتعالى-  قال: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) [مريم:63]، وقال  -سبحانه وتعالى- : (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف:43].

وكتاب الله  -عز وجل- : كتاب الهداية والعز والفلاح، يورثه من اصطفاهم واجتباهم لكرامته، قال  -سبحانه وتعالى- : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر:32].

مـلـك الحقيـقـي..

وكون المؤمن مستخلفًا وذاهبًا إلى ربه؛ فمن كرم الله على المؤمن: أنه أمره بالإنفاق مما وهبه الله له؛ مع أنه من خالص ملكه  -سبحانه وتعالى- ، ثم وعده بالأجر الكبير، قال  -سبحانه وتعالى- : (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد:7]، وقال  -سبحانه وتعالى- : (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الحديد:10]، فالملك الحقيقي: ما ادخره العبد ليوم الميعاد.

في «صحيح مسلم» عن مطرف عن أبيه عبد الله بن الشخير  -رضي الله عنه-  قال: أتيت النبي  -صلى الله عليه وسلم-  وهو يقرأ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) [التكاثر:1]، قال: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي.. مَالِي! وَهَلْ لَكَ -يَا ابْنَ آدَمَ!- مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟».

والمؤمن يعلم أنَّ يده يد أمانة، وما تحت يده ودائع والله ينظر كيف يعمل!

وَمَا المَالُ وَالأَهْلُوْنَ إِلَّا وَدِيعَةٌ

وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُـرَدَّ الوَدَائِعُ

من وحي الدعـاء ..

ثم اعلم أن التوسل إلى الله بهذا الاسم داخل في عموم قوله  -سبحانه وتعالى- : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180]؛ ولا سيما بمراعاة المناسبة بين المطلوب والاسم المذكور؛ كما في دعاء نبي الله زكريا  -عليه السلام- : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء:89]، وقال: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)) [مريم:5-6].

والإرث المذكور هنا: إنما هو إرث علم ونبوة ودعوة إلى الله  -عز وجل- ، لا إرث مال، ومثل هذا الإرث المبارك: ما ورد في قوله  -سبحانه وتعالى- : (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) [النمل:16].

وصح عنه  -صلى الله عليه وسلم-  أنه كان يقول: «اللَّهُمَّ! أَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَـرِي، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَ مِنِّي» [حديث صحيح. رواه الحاكم في «المستدرك»].

وأشار العلماء عند هذا الاسم: أن العبد ينبغي أن يتقي الله  -تبارك وتعالى-  في حقوق الإرث؛ فلا يظلم من الورثة أحدًا.

اللهم! إنا نسألك باسمك  الوارث: أن تمتعنا بأسماعنا وأبصارنا، وتجعلها الوارث منا.