اللغات المتاحة للكتاب English پښتو فارسی Français Indonesia Русский 中文 Türkçe

63 - 64

الأَكْـرَمُ   الكَرِيـمُ   -جل جلاله-

صح عنه  -صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: «إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُوْلًا الَجنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوْجًا مِنْهَا: رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَيُقَالُ: اعْرِضُوْا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوْا عَنْهُ كِبَارَهَا! فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوْبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟

فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ؛ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ.

فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُوْلُ: رَبِّ! قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا».

قال أبو ذر -راوي الحديث-: فلقد رأيت رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  ضحك حتى بدت نواجذه. [أخرجه مسلم].

ما أكرم الله! وما أحلم الله! وما أعظم الله!

(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار:6]، (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

والكرم: لفظ جامع للمحاسن والمحامد، لا يراد به: مجرد عطاء، بل الإعطاء من تمام معناه، ولذا؛ ورد عن أهل العلم في معنى الاسم أقوال عديدة، وكل الذي أوردوه حق.

فربنا الكريم  -جل وعلا-  كثير الخير والعطاء، دائم الخير، له قدر عظيم وشأن كبير، منزه عن النقائص والآفات، المكرم المنعم المتفضل؛ الذي يعطي لا لعوض ولغير سبب، يعطي المحتاج ومن لا يحتاج، إذا وعد وفى، ترفع إليه الحاجات صغيرها وكبيرها، لا يضيع من التجأ إليه، يتجاوز عن الذنوب، ويغفر السيئات، بل ويبدل السيئات حسنات، يعطي قبل أن نسأله.

رزقنا السمع والبصر، والأفئدة والجوارح، والقوة، والملكات الظاهرة والخفية؛ التي لا نستطيع عدها: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:34]، جاد بها علينا دون أن نسأله، وقبل أن نسأله؛ كرمًا منه وفضلًا، فهو يعطي ويثني.

ربنا الكريم  -جل وعلا- ؛ الذي قدر فعفا، وإذا وعد وفى، وعد المؤمنين في الدنيا والآخرة بألوان الفضل والخير والنعم والعطاء.

بل من كرمه  -سبحانه وتعالى- : أنه علق عذاب عباده العاصين بمشيئته؛ إن شاء عاقبهم، وإن شاء عفا عنهم.

ربنا الذي لا يرد سائلًا.. «حَيِيٌّ كَرِيمٌ».

أعـطـى وأثـنـى:

فهو يعطي الإيمان، ثم يثني عليه: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:272].

سمع الجنيد رجلًا يقرأ: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص: 44]؛ فقال: "سبحان الله! أعطى وأثنى"، أي: وهب له الصبر وأعطاه، ثم يمدحه ويثني عليه.

إِلَى اللهِ أُهْدِي الحَمْدَ وَالشُّكْرَ وَالثَّنَا

لَهُ الحَمْدُ مَوْلَانَا عَلَيْهِ المُعَوَّلُ

وَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ لَا رَبَّ غَيْرَهُ

كَرِيمٌ رَحِيمٌ يُرْتَجَى وَيُؤَمَّلُ

فسبحانه من كريم جواد!!

الكرم من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجل هباته؛ فمن أعظم منه جودًا وكرمًا؟!

إنه الكريم:

الخلائق له عاصون، وهو لهم مراقب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوا، ويجود بالفضل على العاصي، ويتفضل على المسيء.. من ذا الذي دعاه فلم يستجب له؟ أم من ذا الذي سأله فلم يعطه؟ أم من الذي أناخ ببابه فنحاه؟! فهو ذو الفضل ومنه الفضل، وهو الجواد ومنه الجود، وهو الكَرِيمُ وَمِنْهُ الكَرَمُ.

غـنـي عن الشـكـر..

ربنا  -تبارك وتعالى-  غني عن شكرنا، لا تعود منفعة الشكر إليه، ولا يضره كفران من كفره، وهو مع ذلك (كريم) في ترك المعاجلة بالعقوبة؛ (وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

ومن كمال غناه وكرمه  -سبحانه وتعالى- : أنه خلق العباد ليعبدوه؛ وتكفل برزقهم جميعًا مؤمنهم وكافرهم إنسهم وجنهم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)) [الذاريات:56-58].

زاد على المـنـى..

ومن جلاله: أنه لا تتعاظم عليه المسائل والدعوات؛ مهما كثرت وكبرت، صح عنه  -صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ؛ فَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِر لِي إِنْ شِئْتَ! وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ المسألةَ، وَلِيُعْظِمْ رَغْبَتَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ  -عز وجل-  لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ» [رواه مسلم].

بل من كرمه  -سبحانه وتعالى- : أنه جعل دعاءه أكرم عبادة عنده  -سبحانه وتعالى- ، صح عنه  -صلى الله عليه وسلم-  أنه قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ -سُبْحَانَه- مِنَ الدُّعَاء» [حديث حسن. رواه ابن ماجه].

بل انظر إلى عظيم كرمه  -سبحانه وتعالى- : قال  -صلى الله عليه وسلم- : «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» [حديث صحيح. رواه الترمذي].

وكرمه دائم؛ لا ينقطع إلى أن تلقاه، فانظر إلى أكبر وأعظم هدية تقدم لك يوم القيامة -إن كنت مؤمنًا-، (أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال:4].

بل زاد على المنى، جاء في الحديث القدسي المتفق عليه: «قَالَ اللهُ  -عز وجل- : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالحِين: مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»، والأعظم من ذلك كله: النظر إلى وجهه الكريم؛ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)) [القيامة:22-23].

اللهم! اجعلنا منهم؛ يا أكرم الأكرمين!

المـيـزان:

وميزان الإكرام والإهانة يوم القيامة: التقوى؛ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13]، لا كرامة لأهل الكفر بل الإهانة: (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩) [الحج:18]، ولا عبرة بموازين الناس في الدنيا؛ التي ذكرها الله  -تبارك وتعالى-  بقوله: (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)) [الفجر:15-16].

قال ابن الجوزي  -رحمه الله- : "ومن تلبيس إبليس على عوام الناس: أنهم يفعلون المعاصي، فإذا أنكرت عليهم قالوا : الرب كريم، والعفو واسع!".

ذكـرى..

ومن تعلق بالقرآن؛ بشره بالكرامة في الدارين، فالله  -سبحانه وتعالى-  قال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة:77]، كثير الخير، غزير العلم، يكرم حافظه، ويعظم قارئه.

والكريم  -سبحانه وتعالى-  ينجي الغريق، ويرد الغائب، ويعافي المبتلى، وينصر المظلوم، ويهدي الضال، ويغني الفقير، ويشفي المريض، ويفرج عن المكروب، ويحب أن تدعوه بأسمائه، كان النبي  -صلى الله عليه وسلم-  يقول عند الكرب: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» [أخرجه البخاري ومسلم].

والله يحب الكرماء، قال ابن رجب  -رحمه الله- : "من جادَ على عباد الله؛ جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل".

أَغِيبُ وَذُوْ اللَّطَائِفِ لَا يَغِيبُ وَأَسْأَلُهُ السَّلَامَةَ مِنْ زَمَانٍ وَأُنْزِلُ حَاجَتِي فِي كُلِّ حَالٍ ومَنْ لِي غَيْرَ بَابِ اللهِ بَابٌ كَرِيمٌ مُنْعِمٌ بَرٌّ لَطِيفٌ فَيَا مَلِكَ المُلُوْكِ أَقِلْ عِثَارِي وَأَمْرَضَنِي الهَوَى لِهَوَانِ حَظِّي

وَأَرْجُوْهُ رَجَاءً لَا يَخِيبُ بُلِيتُ بِهِ نَوَائِبُهُ تُشِيبُ إِلَى مَن تَطْمَئِنُّ بِهِ القُلُوْبُ وَلَا مَوْلَى سِوَاهُ وَلَا حَبِيبُ جَمِيلُ السَّتْرِ لِلدَّاعِي مُجِيبُ فَإِنِّي عَنْكَ أَنْأَتْنِي الذُّنُوْبُ وَلَكِنْ لَيْسَ غَيْرَكَ لِي طَبِيبُ

اللهم يا كريم! أكرمنا بجنتك وبعفوك ورضاك.